غرام المغرور قصة كاملة
غرام المغرور
بقلم/ نسمة مالك
🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔵
الحلقة 1
.
.
أول لقاء!..
.. تجلس على جانب الطريق أمام مقر عمل زوجها كعادتها مؤخراً..
عينيها تنهمر منها عبراتها بلا توقف..بين يوم وليله انقلبت حياتها رأساً على عقب..
توفي زوجها الحبيب بعد زواج أستمر لثلاث سنوات فقط، وأصبحت أرمله وهي لم تتم عامها الثاني والعشرون..
تدهور بها الحال للغايه.. ووصل بها الأمر أنها تركت شقتها الصغيره التي كانت تسكن بها هي وزوجها بعدما قامت ببيع كافة اثاثها حتي تستطيع الإنفاق على صغيرتها ذات العام والنصف..
وانتقلت للعيش برفقة والدتها التي بالأساس كان ينفق عليها زوجها نظراً لضيق الحال، ولانهما من طبقه أقل من المتوسطه، وزوجها كان هو العائل الوحيد لهما رغم انه كان عامل صغير بإحدى الشركات الضخمه..
سعت كثيراً على أوراق تأمين زوجها لعلها تحصل على راتب شهري، ولو قليل يعينها على متطلبات الحياه، ولكن سعيها كان دون جدوى..
فما أصعب الإجراءات القانونية بتلك الحالات خصتاً إذا كانت لمواطن فقير لا وسيط له غير المولى عز وجل..
اغلقت جميع الأبواب بوجهها.. تكاثرت الديون عليها..
حتي بدأت تفقد السيطره على أفعالها حين رأت الجوع والمرض بدأ ينهش ووالدتها، وصغيرتها تبكي بستمرار من شدة جوعها..
فحسمت أمرها اليوم.. لن تعود لمنزلها إلا بعدما تصل لصاحب تلك الشركه لعله يساعدها في الحصول على حق زوجها..
رفعت يدها، ومسحت عبراتها بعنف،وهبت واقفه عندما رات سرب حافل من السيارات الفارهه تقترب من باب الشركه معلنه عن وصول مالكها..
ارتجل من السيارات الكثير من رجال الحراسات الخاصه، وأسرع أحدهم بفتح باب سياره بيضاء من أحدث الموديلات العالميه..
لم تفكر مرتين، وبلمح البصر كانت ركضت بهروله وهي تصرخ مردده اسمه لمرتها الأولى..
“فااااارس بيه”..
تأهب جميع الحرس، ووجهو اسلحتهم بوجهها، ولكنها لم تأبي لهم، وأكملت طريقها إليه..
كان يهم بالخروج من سيارته ولكنه بقي مكانه حين اخترق صراخها أذنه.. خلع نظازته الشمسيه لتظهر عينيه الجريئه ونظر نحوها بنظراته الحاده..
تركض هي بكل سرعتها وتدفع يد كلاً من حاول إيقافها بغضب شديد، وهو يشاهد ما تفعله بهدوء ودهشه من هجوم تلك المجنونه التي لم يري وجهها بوضوح حتي الآن..
“سبوني انا ليا حق عند صاحب الشركه دي، وعايزه حقي”..
قالتها وهي تلكم كل من يحاول الاقتراب منها بحقيبة يدها..
“اضربها طلقه خليها تجري من هنا.. بس خف إيدك”..
أردف بها “فارس” بأمر لإحدى حراسه.. لينصاع الحارس له في الحال دون تردد، ووجه سلاحه نحوها، وأطلق النار عليها باحترافية شديدة..
صرخت بألم حاد،واتسعت عينيها بذهول حين مرت طلقه ناريه من جانب ذراعها تاركه به جرح ليس بهين بدأ ينزف بغزاره..
سقطت من يدها الحقيبه، وشحب وجهها بشدة.،وتوقفت عن الحركه حين شعرت بنقطاع أنفاسها ودوار شديد بدأ يجتاحها بلا رحمه.. خصتاً وإنها لم تأكل شيئاً لها أكثر من يومان..
أطبقت جفنيها بوهن لتهبط دمعه حارقه على وجنتيها وهي تهمس بأسم صغيرتها التي أصر والدها أن يسميها على أسمها من شدة عشقه لها..
“إسراء”..
استجمعت قوتها لأجلها، وفتحت عينيها التي بدأ يتطاير منها الشرار دليل على شدة غضبها، ونظرت بتجاه سيارة ذلك ال “فارس”..
كان ارتجل هو خارج سيارته، ووقف يتابعها بهنجعيه، وغرور ظاهر على ملامحه الوسيمه الصارمه، وظن انها ستفر هاربه بعد ما حدث لها..
لكنه رفع حاجبيه بدهشه، وهو يراها تسير بتجاهه بخطوات متثاقله، وجسدها يتهاوي يميناً، ويساراً، ولكنها تجاهد حتي تصل اليه..
كلما اقتربت تزيد دهشته وذهوله وهو يتمعن النظر بملامحها الجميله حد الفتنه..
هم إحدي الحرس بإيقافها.. لكنه أشار له بيده أن يتركها..
ظل يتابعها وهي تقترب منه ببطء يدل على ضعفها وتألمها الشديد..
ضيق عينيه ورمقها بنظرة متفحصه حين توقفت فجأه قبل أن تصل إليه بعدما تملك منها دوارها وألم ذراعها جعلها تتأوه بقوه قبل أن تستسلم لتهاوي جسدها الذي خانها واجبرها على الاستسلام لاغمائها..
ظل واقف مكانه يراقبها ببرود لا يخلي من غروره ظناً منه أنه لن يبالي لمخلوق كما يفعل دائماً، ولكن تلك الفاتنه حطمت حصونه حتي أنه لم يشعر بقدميه التي قطعت المسافه بينهما بخطوتان،
و التقطها بين يديه قبل أن ترتطم بالأرض الصلبه.. رأسها تتوسط صدره.. رفعت عينيها ونظرت له نظرة زلزلت كيانه..
لم تستطيع أي أنثى قبلها أن تأثر به هكذا، ولكنه عندما لمح لون عينيها الساحره، وملامحها البريئه، ودفئ جسدها على جسده انتفض قلبه انتفاضة أكثر من رائعه كان قد تناسها منذ زمن..
حاولت هي الحديث فلم يسعفها لسانها غير نطق اسم ابنتها.. تردده بقلب ملتاع..
“إسراء”..
همسها وصل لسمع ذلك المغرور.. توقع أنه أسمها فبتسم لها بصطناع وهو يقول..
“ايه اللي رماكي في طريقي يا؟” ..
مال قليلاً ووضع يد أسفل ركبتيها ويده الأخرى حول خصرها، وحملها على ذراعيه القويتين مكملاً بتلذذ..
“إسراء”..
خطي بها لداخل شركته تحت نظرات الدهشه والذهول من جميع العاملين.. بل نظرات الصدمه..
.
🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔵
الحلقة 2
.
.
ساحرة!!..
بإحدى المناطق الشعبيه.. داخل منزل قديم..بالطابق الأول نجد شقه صغيره للغايه يبدو على اثاثها المتهالك الفقر الشديد.. تجلس امرأه بأواخر عقدها الرابع على الفراش.. حامله حفيدتها على قدميها التي لا تستطيع تحريكهما نهائياً..فقد أصيب منذ سنوات بحادث افقدها القدره على السير، وأصبحت قعيده بالفراش،وحتي لم تستطيع شراء كرسيي متحرك نظراً لضيق الحال، وثمن علاجها الباهظ..
دموعها تنهمر على وجنتيها دون توقف.. تبكي بمرار على بكاء الصغيره التي تتلوي بين يدها من شدة جوعها.. تحاول تهدئتها بكافة الطرق، ولكن دون جدوى..
رفعت عينيها للسماء متمتمه بتوسل..
“يارب يا حنان يا منان حن على البنت اليتيمه دي لأجل حبيبك محمد”..
ضمتها بحنان العالم أجمع داخل صدرها، وتابعت من بين شهقاتها..
“يا تري أنتي فين يا إسراء يا بنتي؟!.. قلبي واكلني عليكي يا ضنايا”..
لم تكف الصغيره عن البكاء.. بل ذاد حدة بكائها وصرختها أكثر حين ذكرت جدتها اسم والدتها.. ربتت على ظهرها بحنو، وغمرتها بسيل من القبلات كمحاوله منها لأسكاتها ولو قليلاً، ولكنها فشلت كالعادة..
فلم تجد أمامها سوا قراءة بعض الآيات القرآنية التي تحفظها، وهي تمسد بيدها على كافة جسدها وقلبها يستجدي المولى عز وجل أن يرأف بتلك الصغيره..
بدأ بكائها يهدأ رويداً رويداً حتي غلبها النعاس، وغرقت بالنوم داخل حضنها، واضعه إحدي أناملها الصغيره بفمها..
“الحمد لله انك نمتي يابنتي.. يارب تفضلي نايمه على ما أمك ترجع بسلامة وترضعك، ويمكن ربنا يكون رضاها وتجبلك حاجه معاها تبل ريقك يا ضنايا”..
قالتها “إلهام” بتمني وهي تزيد من ضم الصغيره مكمله بألم.. “الله يرحمه أبوكي عمره ما حوجنا لمخلوق من يوم ما خطب أمك، ومن بعد ما راح واحنا الدنيا والناس عماله تلطش فينا شمال ويمين لما استوينا على الأخر، وأمك المسكينه مش عارفه تفطمك علشان مش لاقيه حاجه تاكلهالك يا بنتي.. ويا عالم الأيام مخبيلنا أيه تاني.. بس إحنا راضين بأمرك يارب.. راضين وصابرين الحمد لله على كل حال”..
طرقات هادئه على الباب جعلتها تزيل عبرتها سريعاً ، وتسمح للطارق بالدخول بلهفه حتي لا تزعج الطرقات حفيدتها..
” أدخل يلي بتخبط الباب مفتوح”..
خطت فتاه شابه بأوائل العشرينات ترتدي إسدال للصلاه.. حامله بيدها طبق مملوء بالطعام مغطي بالخبز الطازج ، واقتربت من “إلهام” وأردفت بابتسامة بشوشه، وهي تضعه على كرسيي صغير بجوار الفراش..
“سلام عليكم يا خالتي.. عامله ايه انهارده”.. بادلتها “إلهام” الابتسامه وبتنهيده قالت..
“وعليكم السلام يا إيمان يا بنتي”..
تنقلت بنظرها بينها وبين الطعام وتابعت بعتاب..
“ليه بس التعب دا يا بنتي.. احنا مستورين والحمدلله”..
ربتت “إيمان” على كتفها برفق، ومالت على الصغيره تقبلها بحب وهي تقول..
” ديماً مستورين يارب يا خالتي.. بس انا قولت لازم ادوقك الفته من ايدي وتقوليلي رأيك عرفت اعملها زيك المرادي ولا لاء”..
تلفتت حولها مكمله بتساؤل..
“هي البت إسراء فين علشان تدوقها هي كمان.. لسه مرجعتش من بره ولا ايه؟”..
اجابتها “إلهام” بقلق بادي على ملامحها..
“لسه يا بنتي، وخارجه من صباحية ربنا.. قبل ما الساعة تيجي 7 حتي.. لبست عبايتها وخدت ورق جوزها الله يرحمه، وجريت على الشركه اللي كان شغال فيها.. ادعيلها ربنا ينصفها المرادي، وترجع مجبورة الخاطر”..
ظهر الحزن على وجه “إيمان”، وتحدث بإحراج قائله..
“والله يا خالتي انا وشي منك انتي و إسراء في الأرض من عمايل “تامر” جوزي”..صمتت لبرهه تحاول التحكم بعبراتها، وتابعت بدهشه.. ” من ساعة موت “رامي” أخوه وانا مش عارفه ايه اللي جراله..جاب القسوه دي مين علشان يقسي بالشكل دا على مرات أخوه وبنتها اللي من لحمه ودمه؟!”..
أطبقت ” إلهام” عينيها بقوه وبأسف قالت..
” جوزك مفكر أن “إسراء” السبب في موت أخوه ، ومش ناوي يسيب بنتي في حالها يا إيمان..أول ما يعرف انها اشتغلت في اي محل، ولا عياده يروحلها ويعملها فضيحه لحد ما يطردوها، واهي يا حبة عيني طلعت من بدري قبل ما هو يصحي ويشوفها وهي خارجه ويتخانق معها زي عوايده، وناسي انه كده بيقطع رزق بنت أخوه قبل ما بيقطع رزقنا.. بس ربنا كبير وقادر ينور بصيرته، ولا يبعتله اللي يوقفه عند حده” ..
بكت” إيمان” وهي تقول..
” والله يا خالتي أنا غلبت معاه أفهمه، واقوله أن موت أخوه دي حاجه بأيد ربنا.. بس هو بقى صعب أوي، وأسهل حاجه عنده بقت الضرب”..
رفعت ” إلهام” يدها ومسحت عبراتها، وربتت على وجنتيها بحنان مغمغمه بتعقل..
” متقفيش قصاده تاني يا بنتي، ولا تجبيلو سيرتنا علشان ميتخانقش معاكي، ويله من غير مطرود ارجعي بيتك ليجي فجأه ويعملك حكايه”..
أمسكت طبق الطعام، ومدت يدها به لها مكمله..
” وخدي الأكل دا معاكي أنا وبنتي مش عايزين حاجه من ناحية جوزك غير أنه يسبنا في حالنا”..
تطلعت بها ” إيمان” بأعين تملؤها الحزن، وبعتاب قالت..
“كده يا خالتي عايزه ترجعيني بالأكل و تكسري بخاطري”..
” إلهام” بنبرة حانيه..
“يا بنتي انا مش قصدي أكسر بخاطرك..انتي عارفه اني بعتبرك زي إسراء بنتي.. بس مش عايزه أعملك مشاكل زياده مع جوزك”..
” لو بتعتبرني زي بنتك فعلاً يبقي لازم تدوقي عمايل ايديا، واطمني يا خالتي الأكل دا انا جيباه من فلوسي اللي أمي بتدهالي لما تيجي تزوني.. مش من فلوس جوزي”..
قالتها “إيمان” وهي ترفع الخبز عن الطبق ليظهر اسفله الكثير من الأرز الأبيض فوقه قطع من اللحم الشهي وبدأت تطعم
” إلهام” بيدها مكمله..
“انا عارفه ان ليكي علاج و لازم تاكلي الأول قبل ما تاخديه”..
ابعدت” إلهام” وجهها سريعاً، ورفعت يدها ربتت على كفها وهي تقول..
“تسلم يا بنتي بس انا مليش نفس دلوقتي.. هستني إسراء لما تيجي وناكل سوا.. قومي أنتي روحي عشان متتأخريش أكتر من كده”..
وضعت “إيمان” الطعام من يدها،وهي تقول بخوف ظهر على محياها.. “
عندك حق يا خالتي.. انا همشي انا قبل ما يرجع والمرادي ممكن يقطم رقابتي”..
ابتسمت لها” إلهام” قائله.. “مع السلامة يابنتي.. ربنا يهدي سرك ويراضيكي بالخلف الصالح يا إيمان يا بنت مني قادر يا كريم”..
آمنت” إيمان” على دعائها، وسارت بخطوات مهروله نحو الخارج..
لتسرع” إلهام” بإيقاظ الصغيره بمنتهي الرفق وهو تقول..
” قومي يا ضنايا كلي ربنا عالم بيكي، وبعتلك رزق على ما أمك ترجع يا بنتي”..
هبطت عبراتها على وجنتيها من جديد حين شعرت بقبضه قوية تعتصر قلبها من شدة قلقها على وحيدتها..
“ربنا يحفظك يا إسراء يا بنتي، ويفرحك بشبابك، ويعوضك عن حزنك، وكسرت قلبك يا ضنايا”..
………………………………….
.. شركة “فارس الدمنهوري” المتخصصه لصناعة السيارات..
داخل عياده الشركة الخاصه.. يجلس” فارس” على إحدى الكراسيي واضعاً ساق فوق الأخرى..يتابع الطبيبه وهي تعالج جرح تلك المجنونه التي ألقت نفسها بطريقه حتي سقطت بين يديه..
“خلصتي؟!”..
قالها “فارس” بلهجته الحاده الصارمه..
جعلت الطبيبه تنتفض بفزع، وأجابت على الفور..
“أيوه يا فندم خلصت..جرحها خد 6 غرز”..
هب واقفاً وسار بخطوات بطيئه نحو النائمه على الفراش حتي وقف أمامها يتأمل وجهها الملائكي بنظرات جامده يخفي بها إعجابه الشديد بملامحها الفاتنه الرقيقه..
بل الساحره.. نعم تمتلك هي سحر خاص لم يراه بحياته على أي امرأه رغم علاقاته المتعدده..
تأمل ملامحها بدقه لا تخلو من وقاحته.. من بداية حجابها التي نزعته عنها الطبيبه ليظهر شعرها الحريري اللامع كخيوط من الذهب الخالص، وعينيها الواسعه التي تزينها اهدابها الكثيفه، أنف صغير منمق، وشفاه مكتنزه كحبة كريز طازجه..
ابتلع لعابه بصعوبه حين هبط أكثر بعينيه لعنقها المرمري، وتابع تأملها بوقاحه وجرئه أمام أعين الطبيبه المنذهله من تصرفاته.. فهو ظل جالساً حتي وهي تخلع عنها عبائتها السوداء بمساعده إحدي الممرضات لتتمكن من الوصول لجرحها، ولكنها استطاعت إخفاء جسدها عن عينيه الماكره حين دثرتها جيداً بغطاء ازرق اللون..
ضيق عينيه بدهشه حين لمح بقع كبيره تملئ الغطاء فوق صدرها، وتزداد اتساع بصوره ملحوظه.. فتحدث بتساؤل دون أن يبتعد بنظره عنها..
“ايه اللي بيحصل دا؟!”..
اجابته الطبيبه بعمليه.. “واضح أنها بترضع يا فندم”..
عقد حاجبيه ونظر للطبيبه نظره حارقه مردداً..
“بترضع؟!”..
الطبيبه بتوتر.. “احححم ايوه يا فندم،ودا بيحصل للأم لما البيبي بيكون جعان”..
“فارس بيه”..
همست بها “إسراء” بضعف، وهي تجاهد لفتح عينيها..
همسها وصل لسمع ذلك الواقف.. فعاد بنظره لها.. يرمقها بنظرات ساخره وقد ظن أنها مثل معظم النساء التي تحلم بالوصول له حتي ترتمي أسفل حذائه..
“فوقيها”.. قالها “فارس” بأمر موجه حديثه للطبيبه..
فقالت الطبيبه بتأكيد.. “هي فعلاً فايقه..أنا مديها بنج موضعي.. بس عندها هبوط شديد نتيجه قلة غذا، والمحلول اللي في ايديها هيساعدها تفوق أكتر”..
حرك رأسه بالايجاب، وأشار لها بالانصراف.. فسارت للخارج خلفها مساعدتها في الحال..
وضع يده بجيب سرواله، ووقف يتابعها وهي تستعيد وعيها ببطء، وتتأوه بصوت خفيض أربكه، وأشعل شرارة رغبته خصتاً حين أعادت همسها بإسمه بصوتها المتعب، ولكنه ناعم، ورقيق للغايه..
“فارس بيه من فضلك ساعدني”..
تراقصت ابتسامة خبيثه على ملامحه الوسيمه، واقترب منها، ومال عليها بوجهه واضعاً كلتا يده حولها،وتحدث بابتسامة مصطنعه أمام شفتيها قائلاً..
“امممم ياتري عايزاني أساعدك في أيه بالظبط يا مدام؟!”..
جحظت عينيها حين شعرت بأنفاسه الساخنه تلفح بشرتها، فأسرعت برفع يدها حتي تدفعه بعيداً عنها..لكن جسدها الضعيف لم يسعفها..
ف إحدي ذراعيها مصاب بجرح ليس بهين، والأخر موضوع به أبره بكف يدها تصل بمحلول معلق بجوار الفراش..
احتقن وجهها بحمرة الخجل، ورمقته بنظره غاضبه وتحدثت بصوت مرتجف قائله.. “أبعد عني” ..
رفع يده وسار بسبابته على وجهها يرسم ملامحها، وهو يقول بعبث..
“انا كنت بعيد عنك فعلاً، وأمرتهم يضربوا عليكي نار علشان أحذرك تقربي مني..لكن واضح إني عجبك أوي، وداخل مزاجك على الأخر لدرجة إنك مستعده تضحي بحياتك علشان توصليلي؟!”..
“انت بتقول أيه يا سافل أنت..أبعد عني احسنلك بدل ما أصوت واعملك فضيحه”..
قالتها بأنفاس متلاحقه من شدة رعبها، وهي تبتعد بوجهها عن يده بشمئزاز ظاهر على محياها..
“سافل،وفضيحه؟! “.. قالها وهو يرمقها بنظره غاضبه وملامح لم تبشر بالخير أبداً، وبلحظه كان قبض على عنقها بقوه، وتحدث بصوت عالِ يدل على شدة غضبه قائلاً..
” انتي مين يا بت انتي، ومين اللي بعتك؟”..
استجمعت قوتها، ورفعت يدها بضعف شديد تحاول أبعاد يده عنها، ولكن يده كالصخر لم تتزحزح انش واحد مما جعلها تلتقط أنفاسها بصعوبه بالغه،وعبراتها تهبط بغزاره على وجهها، وبصوت يكاد يسمع قالت..
“انا مرات موظف كان شغال عندك هنا في الشركه، ومات من 7 شهور”..
تأوهت بألم، وبضعف تابعت..
“وجايه أطلب منك تساعدني أخد معاشه علشان أصرف منه على بنتي اليتيمه كنت فكراك بني آدم زينا.. بس طلعت غلطانه!!”.
.
🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔵
الحلقة 3
.
.
دائره مغلقه!!..
“إسراء”..
تجلس على الفراش بملامح شاحبه من شدة تعبها.. حامله صغيرتها بين يديها تقوم بأرضاعها.. الطعام الوحيد المتاح لديها..
كتمت آهه نابعه من ألم قلبها،وليس ألم ذراعها الذي لم يشفي بعد رغم أنه مر عليه أكثر من أسبوع،
ولكن قلة غذائها وعدم توافر المال لجلب الدواء جعله لم يلتئم.. بل ذادت حالته سوء، وهي تتحامل على نفسها أضعاف فوق طاقتها..
شعرت بدوار عنيف يجتاحها، وبدأت تتصبب عرق غزير.. فضمت صغيرتها بحب تستمد منها بعض القوه متمتمه بضعف..
“يارب أديني الصحه لخاطر أمي وبنتي”..
جاهدت حتي لا تفقد وعيها، ومدت يدها لكوب من المياه موضوع على كرسيي صغير بجوار الفراش.. ارتشفتُ منه قليلاً، وعدلت وضع صغيرتها التي غاصت بنوم عميق، ووضعتها بحذر جوار والدتها النائمه بعدما امطرتها بوابل من القبلات المتفرقه على وجهها الملائكي..
أخذت نفس عميق، وغادرت الفراش بوهن متجه نحو عبائتها السوداء ارتدتها على عجل، وحجابها من نفس لون العباءه، واقتربت من والدتها مسدت على يدها بحنو ومالت على اذنها قائله بهمس..
“ماما أنا خارجه يا حبيبتي.. إسراء نايمه جنبك، وانا بأمر الله هحاول متأخرش عليكم”..
فتحت “إلهام” عينيها ونظرت لها، وتحدث بلهفه حين لمحت شحوب وجهها..
“رايحه فين يا بنتي، وانتي شكلك تعبانه أوي كده؟!”..
توجهت بنظرها للشرفه وتابعت بذهول..
“هتخرجي إزاي دلوقتي، والشمس لسه مطلعتش يا إسراء؟! “..
ابتسمت لها “إسراء” ابتسامة باهته، وبأسف قالت..
“الجو مغيم شويه، وشكلها هتمطر، واطمني الساعه 7ونص يا ماما”..
اعتدلت “إلهام” وجلست على الفراش، وبقلق قالت..
“طيب قوليلي انتي رايحه فين بس يا بنتي.. انا ببقي قلقانه عليكي، ومش عارفه انتي فين ولا بتعملي ايه”..
ربتت “إسراء” على ظهرها بحنان بالغ، وأردفت بتنهيده..
” يعني هكون بروح فين يا ماما.. اديني بلف يمكن ربنا يكرمني بأي حاجه اشتغل فيها.. مش عايزاكي تقلقي عليا يا حبيبتي، ولو إسراء جاعت أديها لقمة عيش تاكلها على ما أرجع وان شاء الله ربنا يرزقني وارجعلكم بأكله حلوه”..
” طيب ريحي قلبي يا بنتي وقوليلي أيه اللي حصل معاكي لما روحتي لصاحب الشركة..قوليلي يا بنتي الراجل عمل معاكي ايه انتي من يومها مش عجباني ولا اللي قولتيه دخل دماغي يا إسراء”..
أردفت بها ” إلهام” بصوت متحشرج بالبكاء..
أطبقت “إسراء” جفنيها بعنف لكبح عبراتها، ورسمت ابتسامة زائفه على ملامحها الفاتنه، وتحدثت بجديه قائله..
” وانا من أمتى بخبي عليكي حاجه يا ماما!!..الراجل طلع في منتهي الزوق زي ما قولتلك، وخد مني الورق، وقالي هيتابع الإجراءات بنفسه بس طلب استني عليه اسبوعين تلاته على ما يخلص شغل مهم في ايده، وهيبعتلي معاش رامي الله يرحمه لحد عندي كمان”..
رمقتها والدتها نظره متفحصه، وحركت رأسها بالايجاب وهي تقول..
” ادينا داخلين في الأسبوع التاني اهو.. وماله نستني ونشوف أيه اللي هيتم والميه تكدب الغطاس”..
” ادعيلي”.. قالتها “إسراء” وهي تسير نحو الخارج غالقه الباب خلفها، ووقفت أمامه تبكي بصمت متمتمه بسرها..
“أقولك ايه بس يا ماما.. اللي حصلي على ايد المغرور دا ميتقلش”..
جففت عبراتها، وهبطت الدرج بخطي مرتجفه حين داهمتها برودة الجو الشديده..
” توكلت على الله”..
همست بها بقلب يستجدي المولي أن يرزقها رزق حلال من حيث لا تدري، ولا تحتسب..
تسير بطريقها كالسيف غافله عن تلك السياره التي تتابعها منذ خروجها من منزلها.. بها مجموعه من الرجال يتابعون كل ما تفعله ويقومون بتصويرها..
…………………………
.. بقصر الدمنهوري..
رنين هاتف بستمرار ازعج ذلك الوسيم الذي أوشك على النوم بعد مكوثه بإحدى الملاهي الليليه حتي شروق الشمس..
اعتدل بتكاسل، وأمسك هاتفه ضغط زر الفتح، وتحدث بصوته الصارم قائلاً..
“ايه الأخبار؟”..
أتاه الرد سريعاً..
“فارس باشا..البنت خرجت من بيتهم زي كل يوم بتلف على المحلات تسأل عن شغل..بس شكلها انهارده تعبان أوي، ورجعت أكتر من مره، وكل ما تحس انها هتقع بتقعد على الأرض”..
انتفض من على الفراش، وهب واقفاً وسار نحو غرفة الثياب أخرج ملابس له وبدأ يرتديها وهو يقول بأمر..
” ابعتلي لوكشن بمكانها حالاً”..
” أمرك يا باشا”..
اغلق الهاتف، وتابع ارتداء ثيابه محدثا نفسه بغيظ..
” انا شوفت حريم كتير يمكن بعدد شعر رأسي.. لكن مشوفتش زيك ولا زي غبائك يا إسراء!!”..
صك على أسنانه حين تذكر حديثها المتهور التي القته بدون ذرة تفكير منها..
.. فلاش باااااااااااك..
كان يقبض على عنقها بقبضة يده بقوه.. كاد ان يزهق روحها،ولكنه ابتعد عنها ببطء حين أخبرته انها أرمله لإحدى العاملين بشركته..
تطلع لها قليلاً، ومن ثم سار للخارج بخطوات مسرعه..
لتسرع هي،وتعتدل بوهن جالسه، وبحثت بعينيها عن عبائتها.. وجدتها موضوعه جوارها على الفراش.. نزعت تلك الابره من يدها الموصله بمحلول معلق بجوار الفراش..
وارتدت ثيابها، وهبت واقفه بصعوبه.. وسارت نحو الخارج بخطي مجهده..
كان “فارس” يقف أمام الباب واضعاً كلتا يده بجيب سرواله.. شهقت بصوت خفيض حين لمحته.. رمقته بنظره محتقره وهي تقول..
“حيوان بهيئة إنسان”..
نظر لها نظرة دبت الرعب بأوصالها، واقترب منها مال على اذنها، وهمس بوعيد..
“سمعتك على فكره، وهحسبك على غلطك دا”..
ضحكت ساخرة.. ضحكه اظهرت جمال وفتنة ثغرها المزموم، وبصوتها الساحر قالت..
“هتقول لرجلتك تضربني بالنار تاني؟!”..
قالتها، ولم تنتظر منه إجابه، وبدأت تسير نحو الخارج متمتمه..
“حسبي الله ونعم الوكيل”..
“استني”.. أردف بها “فارس” بحده اوقفتها دون أرادتها..
سار نحوها،وتابع حديثه وهو يشير نحو مجموعه من العاملين يقربون نحوهما..
“انتي مش جايه عايزه معاش جوزك؟”..
” إسراء” بنظره حارقه.. “يغور من وشك المغرور دا يا فارس بيه”..
“لو غلطتي تاني صدقيني هندمك على اليوم اللي اتوالدتي فيه”.. قالها “فارس” بابتسامة مصطنعه،وهو يتعمق النظر لعينيها الواسعه التي تأثره بجمالها لينتبه على صوت أحدهم يقول بعمليه..
“فارس باشا انا “سيد شعلان” مدير المصنع اللي كان شغال فيه رامي حسنين”..
“شنطتي”.. قالتها “إسراء” وهي تجذب حقيبتها من يد إحدي الواقفين بعنف..
على مضض ابتعد” فارس” بنظره عنها، ونظر لذلك الشخص وتحدث بصرامه قائلاً..
“ليه متصرفش لأهل “رامي” معاشه لغاية دلوقتي يا استاذ سيد؟!”..
إجابه قائلاً.. “لأنه اترفد من الشغل يا فندم بعد ما اتمسك وهو بيسرق”..
” أخرس قطع لسانك.. انا جوزي أشرف منك، ومن اللي مشغلهم كلهم”..
صرخت بها “إسراء” بغضب عارم، وصمتت لبرهه وتابعت بهدوء مريب..
“يا سيد يا حرامي يلي بتسرق الراجل!”…
نظرت ل” فارس” وأكملت بأسف مصطنع..
“المغرور دا ولبستها لجوزي الغلبان، وموته بحسرته بعد ما اتهمته أن هو اللي سرق.. بس ربك مبيرضاش بالظلم وخلي جوزي يحكيلي تاريخكم الأسود كله، وكنت ناويه أقوله لصاحب الشركة”..
شحبت ملامح” سيد” وازداراد لعابه بصعوبه، وهو يتنقل بنظره بينها، وبين “فارس” الواقف يتابع كل ما يحدث بصمت، وهدوء مريب..
أخذت “إسراء” نفس عميق، ونظرت ل
“فارس” بستحقار، واكملت قائله..
” بس اطمن يا سيد يا حرامي انا مش هحكي لولي نعمتك عن عمايلكم السوده خصوصاً بعد ما شوفت كمية الغرور اللي عنده دي”..
أنهت جملتها، وسارت من أمامهم جميعاً.. ليسرع “سيد” ويتحدث بخوف ظاهر على محياه..
“دي بتكدب يا فارس باشا.. انا شغال مع سيادتك من اكتر من 15سنه من أيام محمد باشا والد حضرتك،وتاريخي يشهد عليا”..
أشار له “فارس” بالصمت، وسار من أمامه وهو يقول..
” هاتلي ملف رامي دا على مكتبي حالاً”..
“أمرك يا باشا”..
انتظر حتي اختفي “فارس” عن عينيه، ونظر لإحدى الواقفين جواره، وتحدث بأمر..
” البت دي لازم تحصل جوزها بأسرع وقت.. قبل ما تقول للباشا اللي تعرفه عننا.. عايزها تموت من غير نقطة دم.. تقطعوا عنها أي وسيلة مساعده.. خليها تموت من الجوع ومتلقيش اللقمه.. مفهوم”..
ابتسم له رجل ابتسامة شريره مردداً..
“طبعاً مفهوم.. دي يا رقبتها يا رقبتنا يا كبير”..
بينما بعث” فارس” رساله للحرس الخاص به محتواها..
“عايز حراسه مكثفه على البنت اللي هتخرج من الشركة دلوقتي”..
حرك رأسه بيأس محدثا نفسه..
“مش هيسبوها بعد كلامها دا”..
نهاية الفلاش بااااك..
ارتجل سيارته،وقاد بنفسه خلفه سيارات الحراسه الخاصه به متجه نحو العنوان التي تتواجد به تلك الساحره..
كانت “إسراء” تستعد للنهوض بعد جلوسها فتره على جانب الطريق حين داهمها دوار عنيف، وبدأ جسدها يرتجف بوضوح.. وتتعرق بغزاره رغم انها تشعر ببروده شديده تكاد ان تكسر عظامها..
استطاعت الوقوف بصعوبه بالغه، وسارت نحو إحدي المتاجر،وهمت بدفع الباب الزجاجي.. ليوقفها رجل الأمن الواقف على الباب قائلاً..
“ملكيش شغل هنا يا ست.. اتكلي على الله يله”..
تلاحقت أنفاسها دليل على شدة تعبها، ونظرت له بذهول، وبصوت ضعيف قالت..
“انت عرفت إزاي اني هسأل على شغل؟!، وبعدين ما انتو معلقين ورقه على الباب أهي طالبين ناس تشتغل”..
“يله يا ست من هنا الله لا يسيئك مش ناقصين نصايب”..
قالها الرجل بنبره راجيه، وعينيه زائغه بينها، وبين سيارة زجاجها عاتم تقف على مقربه منهما..
امتلئت أعين “إسراء” بالعبرات وبعدم فهم حدثت نفسها..
“هو أيه اللي بيجرالي دا يا ربي.. كل ما أدخل مكان يقولولي ملكيش شغل عندنا.. أروح فين بس يارب.. انا تعبت أوي”..
اندفعها بالحديث جعلهم يضعوها داخل دائره مغلقه.. هما مجموعه من الرجال الفاسدين يعملون داخل شركة الدمنهوري.. يمحون كلاً من يكتشف العيبهم، وهي اعلنتها صريحه انها تعلم عنهم كافة شئ..
ظلت تسير بالطرقات بلا هواده.. خطواتها مرتجفه تدل على شدة تعبها..
عينيها تملؤها العبرات، ولكنها تأبي الهبوط..
ضاقت عليها من جميع الجهات.. تقفلت بوجهها كل الأبواب..
كيف ستعود للمنزل بدون علاج لوالدتها، وطعام لصغيرتها؟!..
ظلت تسير حتي توقفت بجوار إحدي المطاعم.. تطلعت على الجالسين بالداخل تتابعهم بخجل واحراج شديد، وقلب يعتصر ألماً مبرحاً يكاد ان يزهق روحها..
اذدردت لعابها بصعوبه، والقت بكل شئ عرض الحائط وأولهم كرمتها، وعزة نفسها..
رسمت ابتسامة هادئه على ملامحها الفاتنه الحزينه،وخطت نحو الداخل حتي وصلت لإحدى العاملات بالمكان، وتحدثت بصوتها الناعم قائله..
“لو سمحتي يا انسه مش عايزين حد يشتغل معاكم هنا؟!”..
رمقتها الفتاه بنظره منذهله لثيابها الغير منمقه واجابتها بأسف..
“لا مش عايزين”..
اقتربت منها “إسراء” خطوه، وهمست بستحياء ورجاء قائله..
“طيب ممكن تديني اي حاجه أكلها حتى لو بواقي اكل من اللي بترموه؟”..
شهقت بفزع حين قبض على معصمها يد قويه.. استدارت تنظر بغضب لصاحب تلك اليد ..
لتتسع عينيها حين وجدت ذلك الرجل الذي تلقبه هي ب “المغرور”..
جحظت أعين” فارس” حين لمح شحوب وجهها الشديد، وتحدث بنبره حاول جعلها لينه، ولكنها خرجت جامده كعادته..
” أهدي يا إسراء انا هنا علشان أساعدك”..
“مش عايزه مساعده منك أنت بالذات”..
همست بها بضعف، وهمت بدفع يده بعيداً عنها بعنف، ولكن خانها جسدها.. لهنا ولم تحتمل أكثر.. انقطعت أنفاسها وشعرت أن روحها تنسحب من جسدها، وبلحظه كانت استسلمت لدوارها، وسقطت بين يديه فاقده الوعي..
.
🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔵
الحلقة 4
.
.
جرئ!!..
“أنت بتخرف بتقول ايه يا جدع انت؟!”..
قالها “تامر” بغضب عارم ، وهو يقبض على عنق إحدي رجال “سيد شعلان”..
دفعه الرجل بعيداً عنه بعنف، وتحدث بلا مبالاه قائلاً..
“وانا مالي يا عم تامر أنا بقولك شوفت مرات أخوك بعيني، والباشا فارس الدمنهوري شيلها على ايده وركبها عربيته، وجيت أقولك علشان انت ابن منطقتي، وميصحش أشوفك بقرون لامؤاخذه.. تقوم انت سايب المعزه السايبه اللي عندكم وتمسك فيا انا؟!”..
انهال عليه “تامر” بلكمات عنيفه متتاليه، وبثقه تحدث قائلاً..
“مرات أخويا أشرف من الشرف يا ابن ال***”..
أسرع الماره بالطريق بابعادهم عن بعضهما.. ليصرخ الرجل بغيظ شديد قائلاً..
” لو مش مصدقني روح شوفها بنفسك في قصر الدمنهوري.. أكيد هيخدها على هناك زي كل مره.. وساعتها هتعرف انها خلصت من أخوك علشان تعرف تاخد راحتها مع صاحب الشركه”..
تعمد رفع صوته بكلماته السامه حتي يتسبب بفضيحه على الملأ..
رمقه “تامر” بنظره حارقه، وركض مسرعاً نحو منزل زوجة شقيقه.. كانت ملامحه لا تبشر بالخير وكأن شياطين الأرض تملكت منه وتدفعه بقوه لارتكاب جريمة قتل .. أقسم ان رأي” إسراء” الآن لن يتركها إلا وهي جثه هامده لا محاله..
وصل للمنزل وخطي مندفعاً نحو الداخل.. لتقابله زوجته
“إيمان” التي شهقت بعنف فور رؤيته بهذا الشكل، وتملك الفزع من قلبها حين رأته يصعد الدرج كل درجتين معاً متجه نحو شقة صديقتها الغاليه التي تعبترها بمثابة شقيقتها..
ركضت خلفه،وهي تردد اسمه بلهفه قائله..
“تامر.. استني رايح فين بس؟!”..
كانت “إلهام” تداعب حفيدتها، وتحتضنها بحب شديد متمتمه..
“قلب ستك، ونن عينها يا ضنايا”..
قبلتها مرات متتاليه..
“نسخه من أمك وهي صغيره يا إسراء.. سبحان الخالق المبدع.. ربنا يحفظك انتي وهي يا حبيبتي،ويرزقك يا إسراء يابنتي بفرحه قريبه تعوضك عن تعبك وحزن قلبك؟!”..
انتفضت بهلع وبكت الصغيره بخوف حين اقتحم “تامر” الباب الخشبي المتهالك، واندفع للداخل، وهو يصرخ قائلاً..
“انتي فين يا مرات أخويا.. أنتي فين يا بنت الأصول ؟! “..
“أهدي يا تامر.. مينفعش اللي بتعمله دا”..
هتفت بها” إيمان” ببكاء، وهي تمسك ذراعه تسحبه نحو الخارج..
دفعها بعنف بعيداً عنه.. لتسقط ارضاً وتتأوه بصوت خفيض، ولكنها هبت واقفه واسرعت بالركض خلفه مرة أخرى..
اندفع هو لداخل الغرفه الوحيده الجالسه بها “إلهام”، ووقف أمامها مباشرة وتحدث بأنفاس متهدجه تدل على شدة غضبه..
“بنتك فين يا إلهام؟”..
نظرت له “إلهام” بذهول، وتحدثت بخوف من هيئته قائله..
“في ايه يا تامر يا ابني.. عايز ايه من إسراء؟!”..
مال “تامر” عليها قليلاً، وصرخ بوجهها فجأه قائلاً ..
“انا مش ابنك.. انتي واحده متعرفيش تربي،وردي عليا قوليلي فين بنتك الصايعه اللي مرافقه صاحب الشركة وقتلت أخويا علشان يخللها الجو معاه يا إلهام؟!”..
لطمت “إيمان” وجنتيها وازدات نشيجها، وهي تستمع لحديث زوجها اللازع..
بينما اشتعلت أعين “إلهام” بالغضب، وضمة حفيدتها بيد، ودفعته بيدها الأخرى بكتفه بكل قوتها مردده بصراخ هي الأخرى..
” أخرس يا قليل الأدب.. قطع لسانك.. انا بنتي متربيه احسن تربيه، وصاينه شرف أخوك وهو في قبره، ويله اطلع بره من هنا.. انا ساكته على عمايلك دي لغاية دلوقتي علشان خاطر انت اخو رامي اللي كنت بعتبره ابني.. لكن توصل انك تتهجم عليا بالمنظر دا وتغلط في بنتي.. يبقي تطلع بره بدل ما ألم عليك الناس واعملك محضر في القسم كمان”..
أبتسم لها “تامر” ابتسامة مصطنعه، وتحدث بهدوء مخيف قائلاً..
” عندك حق.. بنتك وانتي أدري بيها وبتربيتها”..
توجه بنظره للصغيره التي تختبئ بخوف داخل حضن جدتها، ومد يده جذبها منها بالقوه غير عابئ لصرختها، وصرخات “إلهام” تردد بنبرة متوسله..
“سيب البت يا تامر.. حرام عليك.. سيب البت هتكسر ايديها”..
“بنت أخويا.. لحمي،وانا أولى بيها، وبنتك اللي مرمغت شرف أخويا في الطين، والله ما هسبها”..
قالها وهو يسير بالصغيره نحو الخارج بعدما تمكن من أخذها من جدتها بصعوبه..
اقتربت” إيمان” بلهفه تساند “إلهام” التي أوشكت علي السقوط من أعلى الفراش وساعدتها على الاعتدال بجلستها وهي تقول بنحيب..
” حقك عليا أنا يا خالتي، واهدي ونبي وانا هجبلك إسراء لما تامر يهدي”..
ضربت “إلهام” بكلتا يدها على صدرها مردده ببكاء حاد..
“خد البت يا إيمان.. خد مني البت.. أقول لامها ايه لما ترجع.. يا حرقة قلبك يابنتي اللي مش عايزه تهدي، ولا تنطفي”..
رفعت عينيها الباكيه للسماء وصرخت بحرقه من صميم قلبها..
” ظلموا بنتي ياااارب.. اتهموها في شرفها، وبنتي عفيفه، وانت عالم بيها ياارب.. اااه يا إسراء.. أنتي فين يا ضنايا”..
………………………………..
.. داخل قصر الدمنهوري..
صف “فارس” سيارته، وهبط منها حامل بين يديه “إسراء” الغائبه عن الوعي..
سار بها بخطي مسرعه نحو الداخل.. لتقابله امرأه بأواخر عقدها الرابع.. ذات وقار وهيبه شديده..
عقدت حاجبيها ورمقته بنظره مندهشه مردده..
“فارس..ايه اللي بيحصل دا؟!”..
وجهت نظرها ل “إسراء” وتابعت بفضول..
“ومين دي؟!”..
“هقولك يا عمتي..بس قوليلي الدكتوره اللي بعتها على هنا وصلت، ولا لسه؟”..
قالها “فارس” وهو يصعد بها الدرج وعينيه مثبته على ملامح “إسراء” الفاتنه رغم شحوب وجهها..
“اسمي ديجا يا ولد أنت فاهم، واياك تقول عمتي دي تاني”..
قالتها “خديجه” بغيظ، وهي تصطك على أسنانها..
وصعدت خلفه الدرج بلهفه، وفضول شديد..
“انا هنا يا فارس باشا”..
أردفت بها الطبيبه، وهي تنتفض واقفه، وتركض بهروله خلف “فارس” الذي تحدث بأمر..
“تعالي ورايا بسرعه”..
انتقي غرفه تقع جوار غرفته الخاصه، وسار بها لداخلها..اقترب من الفراش، ووضعها بحرص وهو يتأملها بنظره إعجاب واضحه.. لكنه اخفاها سريعاً..
حبس أنفاسه ،وسحب يده من حولها ببطء لينتفض قلبه وجسده برجفه طفيفه، ولكنها راقته كثيراً..
اعتدل واقفاً يهندم ثيابه بهنجعيه، وقد عادت ملامحها الصارمه، وتحدث بنفاذ صبر موجهاً حديثه للطبيبه التي تنظر له بنبهار، وهيام..
“ما تشوفي شغلك يا ماما!!”..
تنحنحت الطبيبه بحرج، واقتربت من “إسراء” وبدأت تفحصها بدقه تحت أنظار “فارس” الجامده، ونظرات “خديجه” له العابثه حين شعرت بقلقه الذي يجاهد بأخفاءه..
بدأت الطبيبه تبعد عن “إسراء” حجابها ليظهر خصلات شعرها الحريريه بلونهم الكستنائي الساحر، وهمت بخلع عبائتها..
لتسرع “خديجه” نحو “فارس” بخطوات هادئه، وسحبته من يده نحو الخارج متمتمه بخجل..
“استني بره يا ولد يا فارس يا نوتي”..
رفع حاجبيه بدهشه مردداً كلمتها..
“نوتي؟!”..
أشار على جسده مفتول العضلات مكملاً..
“كل دا ونوتي إزاي يا عمتي؟!”..
“اممممم”..دمدمت بها “خديجه” بتحذير.. لتتعالي ضحكات “فارس” وأشار لها أن تهدأ وهو يقول..
“طيب خلاص متزعليش يا ديجا، وادخلي للبنت اللي جوه دي، ولا ادخلها انا”..
لكزته بقبضة يدها بكتفه برفق، وعادت لداخل الغرفه،وهي تقول قبل أن تغلق الباب..
“يا سلام على الانسانيه.. يا سلام على الشهامه اللي نزلت عليك.. بس انا فهماك كويس يا ابن أخويا، وعارفه انك هتموت وتشوف البنت لابسه أيه تحت هدومها”..
” دي حقيقه فعلاً”.. قالها “فارس” بابتسامة لعوب..
لتتورد وجنتي “خديجه” بحمرة الخجل، وبغضب مصطنع قالت..
“مافيش فايده فيك..خليك انت هنا وانا هفضل معاها، وإياك تدخل يا فارس.. خليك مؤدب مره واحده، ولما اخرجلك هتحكيلي كل حاجه بالتفصيل.. فاهم”..
أنهت جملتها واغلقت الباب بوجهه.. جعلته يعض شفتيه السفليه بغيظ مغمغماً..
“ماشي يا عمتييييي”..
مسح على جبهته صعوداً بشعره كاد ان يقتلعه من جذوره من شدة غيظه محدثا نفسه..
“مؤدب إزاي بس يا ديجا بعد ما شوفت بيجامتها الروز اللي طيرت عقلي المره اللي فاتت”..
تراقصت ابتسامة ماكره على محياه الوسيمه مكملاً..
“ياتري لابسه لون أيه المرادي تحت عبايتك اللي تجنن دي يا إسراء؟!”..
رفع إحدي حاجبيه، وهم بفتح باب الغرفه وهو يقول..
“وانا هحير نفسي ليه.. انا هدخل أعين بنفسي”..
اوقفه رنين هاتفه.. فأخذ نفس عميق، وضغط زر الفتح وتحدث بصرامته المعهوده قائلاً..
“ايه الأخبار؟!”..
اجابه الطرف الأخر على الفور..
” كل اللي قولته حصل فعلاً بالحرف يا فارس باشا.. رجالة سيد وصلوا ل تامر أخو رامي وبلغوه بوجود مرات أخوه في القصر عند سيادتك.. بقي زي المجنون، وطلع على بيت مرات أخوه خد البنت الصغيره واحنا وراه دلوقتي.. شكله جاي عند سيادتك في القصر”..
ساد الصمت لبرهه.. قطعه “فارس” بتساؤل..
“وجدة البنت فين دلوقتي، وإزاي سبته ياخد البنت بالسهوله دي؟”..
“احنا عرفنا ان جدتها قعيده،وللأسف سمعنا صوتها وهي بتصرخ وبتنادي عليه زي المجنونه”..
أطبق “فارس” جفنيه بعنف، وتحدث بأمر قائلاً..
” ابعت عربيه تجيب جدتها على القصر هنا حالاً، وخليكم ورا تامر دا، وبلغوني بكل جديد”..
” تحت أمرك يافندم”..
أغلق هاتفه، وهم بفتح الباب مره أخرى.. لتسبقه “خديجه” التي فتحت الباب، وتحدثت بفزع وخوف ظاهر على ملامحها..
“فارس الحق البنت حالتها صعبه أوي و؟”..
لم ينتظر لسماع باقي جملتها، واندفع نحو الداخل دون أرادته حتي أصبح بجوار “إسراء” على الفراش التي بدأت تتشنج بقوه،وتصطك على أسنانها بعنف، وعينيها زائغه..
أسرع بأحتوائها داخل ذراعيه كمحاوله منه لتهدائتها، ونظر للطبيبه نظره ارتعد قلبها منها، وهو يقول بصوت عالِ للغايه..
“ايه اللي بيحصلها دا انطقي”..
اجابته الطبيبه بصوت مرتجف..
“درجة حرارتها عاليه جداً بسبب التهاب شديد في جرح ايديها، ولازم ننزل الحرارة بحمام ميه بارد حالاً”..
بلحظه كان حملها “فارس” بين يديه للمره الثانيه.. وخطي بها لحمام الغرفه.. أحكم يده حول خصرها، واوقفها على قدميه، وفتح صنبور المياه بيده الأخرى.. لتنهمر المياه البارده فوقهما جعلتها تشهق بقوه، وتنكمش داخل حضنه متمسكه بثيابه بكلتا يدها، وجسدها بدأ يهدأ قليلاً، وتهاوت بين يديه..
حاوطها بذراعيه سريعاً.. رأسها تتوسط عنقه، وانفاسها الساخنه تلفح بشرته تجعله يغلق عينيه بستمتاع متمتماً..
“طلعتيلي منين”..
“رامي”..
همست بها بصوت يكاد يسمع، وهي تحاوط عنقه بوهن، وتتأوه بتعب شديد،وبدأت تبكي بضعف وتهذي بكلمات اعتصرت قلبه حين قالت..
“متسبنيش.. خدني من الدنيا دي.. انا تعبت”..
“مش هسيبك”..
همس بها داخل أذنها وهو يزيد من ضمها بقوه داخل صدره..
……………………………..
بمكان أخر..
“سيد بيه الواد اخو رامي واخد بنته وطالع على قصر الدمنهوري”..
قالها إحدي رجاله بخوف شديد..
ليصرخ “سيد” بأمر قائلاً..
“أوعى يدخل بالبنت الصغيره القصر.. لازم تفضل بره.. دي اللي هتجيب رقبة أمها تحت رجلينا”..
“يعني نعمل ايه يا بيه؟!”..
اجابه “سيد” بشيطانيه..
” امنعه يوصل بيها للقصر بأي طريقه،هدده.. خوفه.. اضرب عليه نار.. المهم البنت تفضل بره سطوة الدمنهوري.. علشان طول ما هي بره أمها هتخرج وتبقي عايزه تشوفها، وساعتها تجبلي خبرها”..
.
🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔴🔵
الحلقة 5
.
.
..داخل قصر الدمنهوري..
بعد مرور عدة دقائق أغلق “فارس” المياه البارده التي تنهمر بغزاره عليه هو و “إسراء” التي بحاله يرثي لها بين يديه..
قام بجذب منشفه كبيره ولفها بها بأحكام، لتسرع “خديجه” الواقفه تنظر بشفقه ل “إسراء” التي تجاهد لفتح عينيها، ولكن شدة تعبها لم تسعفها..
جلبت منشفه أخرى صغيره ووضعتها على شعرها، وحملها “فارس” بين يديه، وسار بها للخارج بخطوات حذره خلفه “خديجه” تتحدث ببكاء ونبره راجيه..
“على مهلك عليها يا فارس.. البنت شكلها بتموت ولا أيه؟!”..
جملتها جعلت قلبه ينتفض بفزع لا يعلم سببه، وشدد من ضمها لصدره مغمغماً بهدوء مصطنع..
“أهدي يا ديجا.. أول ما حرارتها تنزل هتبقي كويسه”..
جلس بها على الفراش، ووضعها بحرص عليه ودثرها جيداً بالغطاء مكملاً بنبرة تهديد..
” مش كده يا دكتوره”..
“احححم انا هعمل كل جهدي، وإن شاء الله هتبقي كويسه جداً يا فارس باشا”..
أردفت بها الطبيه وهي تقوم بتعبئة وتجهيز بعض الحقن والمحاليل الطبيه، وبعمليه تابعت..
“بس لازم نغير لها الأول هدومها المبلوله دي قبل ما اعلقلها المحلول، والأفضل لو ننقلها المستشفى؟!”..
“هجبلك المستشفى لحد هنا، بس هي مش هتخرج من القصر”..
قالها” فارس”، وهو يعدل وضع “إسراء”، وهم بخلع المنشفه عنها.. لتشهق “خديجه” بعنف، وتركض نحوه امسكت يده وهي تقول بدهشه..
” أنت بتعمل أيه يا ولد؟!”..
اجابها “فارس” ببرود..
“هقلعها الهدوم المبلوله!!”..
“أنت ليه مصر تحسسني إني مربتكش فستو ثانيه يا فارس؟!”..
قالتها “خديجه” ببكاء مصطنع، وهي تسحبه من يده بقوه حتي هب واقفاً ودفعته لخارج الغرفه مكمله بأمر..
“اتفضل على اوضتك غير هدومك أنت كمان، وانا هجبلها هدوم من عندي، وهغيرلها”..
على مضض سار معها للخارج.. بينما عينيه مثبته على تلك الجميله النائمه محدثا نفسه بنبهار..
” ساحره”..
وجه نظره للطبيبه وتحدث بصرامه، وحده..
“خلي بالك منها، وكلمي المستشفى تبعتلك كل اللي تحتاجيه.. المهم عايز أشوفها كويسه بأسرع وقت.. مفهوم”..
“مفهوم يا فارس باشا”..
أغلقت “خديجه” باب الغرفه خلفهما، ونظرت ل “فارس” بابتسامه عابثه مردده..
“غير هدومك على ما أغير للبنت هدومها، وهجيلك علشان تفهمني أيه اللي بيحصل دا بالظبط يا فارس باشا”..
أنهت جملتها، وربتت على كتفه برفق، وسارت نحو غرفتها بخطوات مسرعه..
نظر”فارس” لغرفة تلك من يدعوها بالساحره متمتماً بسره..
“ياتري لما تفوقي وتعرفي انك في بيت فارس الدمنهوري اللي كل الستات تتمني تعدي بس من قدامه هتعملي ايه؟! “..
ابتسم بمكر مكملاً..
“شكلنا هنتسلي، ونقضي وقت لذيذ سوا يا إسراء”..
بدأ يفتح أزرار قميصه واحد تلو الأخر، وهو يسير نحو غرفته.. بل جناحه الخاص..
…………………………………..
.. بالقرب من قصر الدمنهوري..
يقف “تامر” حامل بيده “إسراء” الصغيره، ويتحدث بغضب بصوت خفيض حتي لا يزعجها قائلاً..
” أنت ماشي ورايا ولا ايه يا عماد؟!”..
“يا جدع أنت قولتلك انت ابن منطقتي، وميهونش عليا اشوفك بضيع كل حاجه في لحظة غضب..انت لو روحت ببنت أخوك لقصر الدمنهوري هتتاخد منك، وهتبقي خسرت أخوك وبنته كمان.. عشان كده جريت وراك، وقولت انبهك للصح”..
قالها “عماد” بخبث..
زحف القلق،والخوف لقلب “تامر”، وضم الصغيره لصدره بلهفه، ونظر ل “عماد” وقال بتهكم..
“وايه هو بقي الصح اللي انت يا عماد هتنبهني ليه؟!”..
جذبه “عماد” نحو التاكسي الخاص به، ودفعه للداخل برفق مكملاً بجديه..
“تعالي بس نقعد في العربيه خليني أفهمك”..
تنهد “تامر” بنفاذ صبر مغمغماً..
” اخلص يا عم عماد في ام يومك دا مش فايق لرغيك”..
“لما تسمعني هتعرف ان كلامي صح وهتشكرني”..
أردف بها “عماد” بثقه وهو يستدير حول السياره وجلس بجواره بمقعد السائق، وتابع قائلاً بما املاه عليه ذلك الشيطان المسمي ب “سيد”..
“دلوقتي انا قبل ما أجيلك شوفت رجاله فارس الدمنهوري وهما بياخدو ام مرات أخوك ورايحين بيها على القصر عند بنتها.. تقوم أنت رايحلهم برجلك بالبت الصغيره،وطبعاً أمها هتصرخ وتمسك في بنتها، وانت مش هتقدر تقف أدام فارس باشا دا”..
ابتسم بنتصار حين لمح القلق، والخوف ظهر على وجه “تامر”.. بدأ يقود سيارته مبتعداً عن محيط قصر الدمنهوري، وهو يقول..
” بنت أخوك أنت أولى بتربيتها، واطمن طول ما هي معاك يبقي هتجبلك أمها لغاية عندك، وساعتها هتعرف تاخد منها تار أخوك، وتريحه في نومته، وليك عليا هكلملك كل رجاله الحته، والسواقين حبايبي اللي يتمنو يخدموني وهنكون في ضهرك، ولو فارس دا فكر يبعت الحرس بتوعه علشان ياخد منك البت هتبقي عاركه هيطير فيها رقاب يا صاحبي”..
………………………………….
.. داخل جناح فارس..
يقف أمام المرآه يمشط خصلات شعره الحريريه بعنايه.. امسك زجاجه عطره المفضل ذو الرائحه المثيره، ونثر منها الكثير،وهم بالخروج من الغرفه متجه نحو تلك الساحره،
ولكن طرقات رقيقه على الباب يعلم هو صاحبتها جعلته ينفخ بضيق، ويقول بملل..
“ادخلي يا ديجا عارف انك مش هتسكتي غير لما تعرفي كل حاجه”..
“بالظبط كده”..
قالتها “خديجه” بعدما خطت للداخل، واغلقت الباب خلفها، وسارت نحو أقرب مقعد واضعه قدم فوق الأخرى وبأمر قالت..
“احكي حالاً”..
تنهد “فارس” وهو يقول..
“قولتلك هحكيلك بس خلينا نطمن على إسراء الأول”..
ضيقت عينيها، ورمقته بنظره متفحصه،وهي تقول..
” اطمن يا فارس.. إسراء أخدت الدوا اللازم وراحت في سابع نومه، والدكتوره جنبها، وقالت مش هتفوق قبل الصبح.. فتفضل احكي بالزوق وفهمني ايه اللي بيحصل.. علشان انا مش ابجوره في البيت دا”..
أخذ “فارس” نفس عميق، وبدأ يخبرها بكافة شئ حتي انتهي..
” يعني “إسراء” دي للدرجاتي ساذجه علشان تقولهم انها عارفه عنهم كل حاجه، وانهم حرميه، وفاكره انهم هيسبوها في حالها بعد كلامها دا؟! “..
هتفت بها “خديجه” بذهول..
حرك” فارس” رأسه بيأس متمتماً..
“ما انا بقولك انا بحياتي مشوفتش بغبائها”..
ابتسم بإعجاب، وتابع بعبث..
“غبيه بس تجنن”..
لكزته “خديجه” بكتفه، وبتساؤل قالت..
” طيب انت ليه ساكت على اللي اسمه سيد دا بعد ما عرفت حقيقته؟ “..
ظهر الغضب على وجه” فارس” وبتعقل شديد اجابها..
“سيد دا انا ممكن افعصه هو واللي وراه كلهم.. بس كده مش هعرف أوصل للراس الكبيره”..
عقدت “خديجه” حاجبيها قائله..
“مش فاهمه قصدك؟”..
“فارس”.. “يعني سيد دا مجرد ديل لتعبان كبير.. لو قطعته التعبان هيهرب وهيفضل عايش مش هيموت.. فدلوقتي انا ماسك ديل التعبان اللي هو سيد،وعن طريقه هوصل لراس التعبان، واقطعها من جذورها”..
” ولحد ما توصل لراس التعبان “إسراء” هتفضل معانا هنا؟! “..
أردفت بها “خديجه” بدهشه.. ليدهشها” فارس” اكثر حين قال بابتسامه مصطنعه، وهو يحرك رأسه بالايجاب..
“هي ووالدتها وبنتها اللي جاين في الطريق”..
همت “خديجة” بالرد عليه.. لكن طرقات على الباب وصدع صوت إحدي العاملين بالمنزل بإحترام قائلاً..
” فارس باشا رئيس الحرس عايز يقابل سيادتك، ومعاه واحده ست”..
هب “فارس” واقفاً، واتجه نحو الخارج وهو يقول..
“دي اكيد والدتة إسراء”..
” استني خدني معاك أرحب بيها.. دي مهما كان في بيتنا، وأكرام الضيف واجب”..
قالتها “خديجة” وهي تسير بجواره لخارج الجناح..
………………………
بردهة القصر..
دفع إحدي الحرس الكرسيي المتحرك التي تجلس عليه “إلهام” الباكيه بصمت..
” أهلاً وسهلاً يا مدام إلهام”..
قالها” فارس” وهو يقترب منها بخطواته الرزينه الواثقه حتي توقف أمامها مباشره مكملاً..
“انا فارس الدمنهوري صاحب الشركه اللي جوز بنتك كان شغال فيها”..
“بنتي.. هي فين بنتي.. دي خارجه تعبانه أوي اصبح، وانا قولتلها متخرجش مسمعتش كلامي، واديني مش عارفه هي فين دلوقتي”..
قالتها “إلهام” ببكاء حاد..
لتقترب منها “خديجه”، وتربت على ظهرها بحنان قائله..
“متخفيش إسراء هنا معايا فوق”..
نظرت لها “إلهام” وقالت بلهفه..
“بنتي هنا.. هي فين..هي كويسه.. حصلها حاجه.. ابوس ايدك وديني عندها.. عايزه اطمن عليها”..
جلس” فارس” على أقرب مقعد وتحدث بتعقل قائلاً..
“مدام إلهام أهدي من فضلك، واطمني إسراء كويسه،وهتطلعي تشوفيها وتطمني عليها كمان بس لازم اتكلم معاكي الأول”..
“إلهام” بابتسامه من بين دموعها.. “انت يا ابني شكلك راجل شهم، و زوق زي ما إسراء بنتي قالتلي عنك”..
اعتلت ملامح “فارس” الدهشه، وتحدث بذهول قائلاً.. “إسراء قالتلك عني كده؟!”..
اجابته” إلهام” بتلقائيه..” ايوه يا ابني شكرتلي في أخلاقك، وقالتلي انك هتساعدها تاخد معاش جوزها الله يرحمه”..
انبلجت ابتسامة على وجه” فارس”قمعا سريعاً.. حين اجهشت” إلهام”بالبكاء وتابعت برجاء..
” بس الله لا يسيئك يا ابني ساعدنا نرجع بنت إسراء اللي عمها خدها مني غصب عني..اسراء روحها في بنتها، ومتقدرش تبعد عنها لحظه واحده”..
أثناء حديثها صدع صوت رنين” فارس”..
” لحظه واحده وابقي معاكي”..
أنهى جملته، وأجاب على الفور..
“ايه الأخبار”..
“تامر ركب تاكسي، وشكله راجع بيته، واحنا وراه يا فارس باشا”..
” خليكم وراه، واستني مني تليفون”..
قالها “فارس” وأغلق الهاتف، ونظر ل” إلهام” وقال بهدوء..
“انا عرفت اللي تامر عمله معاكي، والكلام اللي قاله في حق بنتك، وانا اقدر اجيب بنت إسراء منه في غمضة عين.. بس هجيب البنت من عمها بصفتي ايه؟!.. لو عملت كده هبقي بأكد كلامه علينا فعلاً “..
ابتلعت” إلهام” ريقها بصعوبه وهي تقول..
“عندك حق يا ابني”..
جحظت أعين”إلهام” حين قال “فارس”..
“علشان كده انا بطلب منك ايد إسراء يا مدام إلهام”..
نظرت له” إلهام” نظره يملؤها الحزن، وبأسف قالت..
” بنتي مستحيل توافق تتجوز بعد جوزها يا ابني”..
جملتها اشعلت غضب “فارس” ولكنه تحكم بغضبه، وقال بثقه..
” مافيش حاجه اسمها مستحيل،وانا واثق انها هتوافق”..
تابع محدثا نفسه بغرور..
“متقدرتش ترفض فارس الدمنهوري”..
لتحرك” إلهام” رأسها بالنفي وبثقه عمياء قالت..
” بنتي مش هتوافق.. دي بتعشق جوزها، ومش هتكون زوجه لغيره”..
صك” فارس” على أسنانه، وهب واقفاً وهو يقول بتحدي..
“هتوافق.. انا هخليها توافق”..