جعله طريح الفراش طيله النهار
عندها قام زاهر واطمئن على صحته
واحضر له كذلك حكيما ليكتب له العلاج
المناسب ومع كل هذا فقد كان غسان كاذبا
وليس في جسده اي عله او مرض وكل ما يريده
هو ان يعيش حياه الراحه دون تعب او عمل
ويقول لنفسه على الدوام ما الداعي الى
العمل الشاق ومكابده المصاعب في ساعات
النهار مع الناس على بضعه دراهم قليله
وطالما ان صاحبي ياتيني برزق يكفيه
ويكفيني لم يكن زاهر يعلم بتلك الحيله حتى
مرت قرابه شهر كامل وبالرغم من اشتهاره
بين اهل البلد كاشهر حلاق فيها لكنه فقد
الكثير من المال الذي جمعه ووضعه في غرفته
داخل الخان والذي استغل ذلك هو صاحبه غسان
بحقده وحسده
فسرق كل يوم جزءا حتى لم يبقى سوى القليل
وذات يوم اكتشف زاهر هذه المؤامره
والمكيده التي افتعلها صاحبه معه
وهي التي لم تكن تخطر على باله فبعد ان
قام باكرامه والاحسان اليه حتى وصل به
الامر الى ان قسم رزقه معه بالنصف ثم بعد
ذلك لا يقابل معروفه الا بالاساءه والسرقه
وهذا ما جعله لم يستوعب ذلك
فمرض زاهر مرضا شديدا جعله لا يقدر على
النهوض لمباشره عمله وهنا كانت صحه غسان
قد عادت الى حالها الاول
فقرر ان يحبس زاهر داخل الغرفه وياخذ ما
لديه من مال دون ان يشعر بذلك سكان الخان
ثم انطلق الى البلد وصار يتجول في الاسواق
ويتعرف على الناس لاول مره منذ مجيئه ولكن
كان هناك شيء غريب قد لفت انتباهه وشده
اليهم
فان الناس لم يكونوا يرتدون من الملابس
الا الالوان الزرقاء او البيضاء
فتساءل عن السبب
وقصد دكاكين الصباغين وذهب الى اكثر من
واحد منهم
وعرض عليهم ان يطلعهم على موهبته في صبغ
الملابس بباقي الالوان الجميله الرائعه
الا انه لاقى رفضا صارما من الصباغين
وقالوا له ان هذه عاده ورثوها ابا عن جد
ولن يتنازلوا عنها ابدا
فان احب مشاركتهم فليلتزم بما يامرونه به
والا فليفرحل اصر غسان على ان يستغل هذا
الامر لصالحه حيث سار طريقه الى ان وصل
الى قصر ملك البلاد فطلب مقابلته لامر في
غايه الاهميه والضروره وبدا يشرح للحراس
ويذكر لهم ان الامر فعلا مهم ولذلك ادخلوه
ليقابل الملك خلال ساعه فلما مثل بين يديه
اخبره ان الصباغين في بلده يلتزمون باللون
الازرق والابيض فقط في ملابسهم ويجب عليهم
الانفتاح والتفكير في صبغها بالوان اخرى
وجميله وهو على استعداد ولديه خبره تكفي
للقيام بتلك المهمه لما سمع الملك بتفاخر
الصباغ قرر ان يختبره وارسل معه مبلغا
كبيرا من المال وطلب منه ان يستغله مع
الادوات التي سيشتريها له في بناء دكان
كبير يختص بصبغ ثياب سكان البلد وان كان
ناجحا في تلك المهمه فسوف ينال مكافاه
ضخمه وكبيره ويقربه في منزلته اليه
فعاد غسان الى سوق البلد
وانشا برفقه رجال الملك مصبغه كبرى واحضر
اليها العديد من العمال
وعلمهم اسرار المهنه وصبغ الالوان البديعه
على ثياب الناس وبدات تلك المصبغه تشتهر
بسرعه كبيره داخل البلاد حتى ذاع صيتها
واقبل عليها الزبائن من كل حدب وصوب فكان
الصباغ غسان يجلس فيها على كرسي متفاخر
مثل الملوك
ويشعر بالغرور والتكبر وازداد شعوره هذا
لما جاء اليه الصباغون وطلبوا منهم
مساعدته لكنه رفضهم وقام بطردهم بسبب
استقبالهم الجاف له في اول مره ولما تغيرت
حاله كثيرا وجمع من المال ما جعله من طبقه
الاغنياء والشرفاء
لم يخطر ببالغ غسان ان يستطلع احوال صاحبه
الحلاق زاهر ويطمئن عليه والذين كانا قد
تعاهد على اقتسام ما يكسبانه من الرزق اما
عن زاهر فلان سكان خان غرباء وكل واحد لا
يعرف الثاني ولا يحب الاختلاط به فلم يخرج
احد او يهتم الا بغرفته فقط وفي تلك
الفتره كان صاحب الخان غائبا لعده ايام
فلما رجع التفت اكثر من مره فشاهد غرفه
الحلاق والصباغ مغلقه وعندها بدات الشكوك
تنتابه فاسرع وحاول فتحه حتى كسر الباب
فتفاجا لما شاهد زاهر طريح الفراش جائعا
ومتعبا ولا يقدر على الكلام
فراف لحاله ووقف بجانبه حتى تماثل للشفاء
فارتدا زاهر ثيابه وقرر ان يخرج الى السوق
حتى يستكمل عمله في مهنه الحلاقه
ويعيد وقوفه على قدميه واستعاده المال
الذي فقده وكذلك للبحث عن اخبار صاحبه
غسان الذي تركه في محنته ومرضه ولم يقف
الى جانبه وبينما هو في طريقه الى السوق
راى ازدحاما شديدا امام محل كبير فاقترب
منه ودخل الباب فاذا به يصاب بالدهشه لما
راى صاحبه غسان يجلس على كرسيه في مصبغته
الكبرى وعندها قرر زاهر ان يتجاهل كل
الماضي الذي كان بينهما لفرحه بنجاح صاحبه
الكبير الذي وصل اليه
فاقبل عليه وهو يبتسم ويريد ان يعانقه
ويقول له انه سامحه على تركه في مرضه وحده
هنا نظر اليه غسان بنظره جافيه وعابسه
وصرخ عليهم الدعيا انه لا يعرف من هو ايها
اللص انا لن اتسامح معك مره ثانيه ابتعد
عن مصبغتي بعد لحظات امر عماله ان يمسكوه
ويضربوه بقسوه ثم يلقوه في الطرقات وبعد
وقت قصير نظر زاهر الى حاله وقد صار معفرا
بالغبار والرمال من راسه الى قدميه وهو